اعادة قراءة تاريخ المقاومة اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي
كاتب الموضوع
رسالة
حمزة
عدد المساهمات : 11تاريخ التسجيل : 28/02/2010 العمر : 49
الورقة الشخصية تجربة:
موضوع: اعادة قراءة تاريخ المقاومة اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي الأحد 28 فبراير 2010, 7:27 am
اعادة قراءة تاريخ المقاومة اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي
طلال عتريسي
لا يمكن قراءة تجربة المقاومة في لبنان في معزل عن علاقة لبنان بالوضع الاقليمي وتأثره به.
فبالعودة الى المراحل الاولى من وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان نجد ان هذا الوجود كان نتيجة قرار عربي رسمي من خلال ما عرف باتفاق القاهرة عام .1969
وينطبق معيار العامل الاقليمي كذلك على المرحلة التالية بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 لأن القوى الاقليمية، وتحديدا سوريا وايران، ارادتا تغيير المعادلة التي فرضها الاجتياح فقدمتا الدعم والحماية داخلياً واقليمياً لنشوء المقاومة ولاستمرارها لاحقاً.
ولا نتحدث هنا عن تجربة المقاومة الاسلامية فقط. فتجربة "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" التي استمرت نحو اربع سنوات كانت في واقع الامر على ارتباط بالقيادة الفلسطينية بطريقة او بأخرى، وهي استفادت من المناخ الاقليمي، السوري تحديدا، الذي كان يريد نشوء المقاومة والتي شملت الى الجبهة حركة "امل" والاسلاميين خارج تنظيم "حزب الله"، آنذاك.
وضمت "الجبهة" القوميين السوريين الذين كانوا كذلك على علاقة معروفة بسوريا.
اذن تجربة "جبهة المقاومة" لم تكن خارج اطار الواقع الاقليمي. وربما كانت صلة قيادتها بالقيادة الفلسطينية احد اسباب خلافها مع سوريا. طبعا لا يمكن اغفال دور المقاومة الفلسطينية آنذاك، رغم الثغر التي ارتكبتها، في كسر حاجز الخوف من قتال اسرائيل، وان كان تطبيق هذه الفكرة مسألة خاضعة للنقاش لجهة انشغال المقاومة الفلسطينية بالوضع الداخلي اللبناني، وانخراطها في الخلافات العربية سواء بارادتها او بغير ارادتها. هذا فضلا عن انها بدأت منذ مطلع السبعينات البحث عن حل سلمي للقضية الفلسطينية.
"حزب الله" كحركة مقاومة تشكل على مراحل. فجزء من قيادته كان في حركة "امل" التي انخرطت في المقاومة، وتالياً هو لم ينشأ في فراغ.
واذا اردنا دراسة تجربة الحزب بناء على الانجازات التي حققها يمكننا ان نعي اسباب نجاحه وتميزه عن باقي التجارب المقاومة في لبنان.
وحين يتم الحديث عن "حصرية المقاومة" حاليا فهي تربط فقط بالعامل الاقليمي رغم ان ذلك غير صحيح. فالاحزاب الاخرى ومنها "جبهة المقاومة" اصابها ما اصابها من تفكك ومشكلات داخلية عصفت بها. بينما بيّنت تجربة "حزب الله" انه كان سداً امام الاختراقات مما اكسبه قدرة امنية وجهادية لم تتوافر لسواه. من جانب آخر ربما لو بقيت المقاومة متعددة المرجعية لكان من الصعوبة بمكان ان تحتفظ بسريتها في صراعها مع عدو ذي قدرة استخبارية وفي رقعة جغرافية صغيرة هي جنوب لبنان.
لذا لا يمكن ربط مسألة تهميش باقي القوى بالبعد الاقليمي وحسب. فحركة "امل" كانت جزءا من القوى التي يفترض ان تُدعم اقليمياً، ولكن "حزب الله" كان الاقدر على الاستمرار على المستوى التنظيمي والامني. اضف الى ذلك، انه في بلد شديد التعقيد كلبنان، وفي مواجهة عدو من هذا النوع من الصعب تشكيل مقاومة بحصص طائفية على غرار مجلس الوزراء مثلا.
كانت لدينا عوامل ذاتية فرضها الوضع اللبناني الداخلي حدّت من امكان نشوء مقاومة شاملة. تجربة "حزب الله" تمايزت ايضا عن تجارب الاحزاب الاخرى التي بدأت توظف المقاومة في المكاسب الداخلية، بمن فيها "جبهة المقاومة"، وربما هذا أحد اسباب الخلاف بين اطرافها، حين بدأ الحديث عن المقاومة والسلطة.
مقاومة "حزب الله" اصرّت على فصل المقاومة عن السلطة رغم ان الحزب حظي بشعبية واسعة أهّلته ليحظى بشرعية تمثيلية.
و"حزب الله" كمقاومة ذات طابع ديني لم يدخل في محظورين:
1- اسلمة المجتمع، على غرار التجارب الاسلامية في مصر والجزائر وسواهما، اي عدم التصادم مع المجتمع، دون التنازل عن الدعوة.
2- لعبة توظيف المقاومة للحصول على مكاسب سياسية، او حتى مكاسب على المستوى الشيعي نفسه. لذلك تجنبت المقاومة عوامل الارباك الداخلي نتيجة قراءة واعية للوضع اللبناني الداخلي وللتجارب الاسلامية الاخرى.
بهذا المعنى نعم كانت المقاومة فوق التجارب السياسية الاخرى، بل حصرت دورها وجهودها في مواجهة الاحتلال كمشروع استعماري اقليمي دون تبديد الجهود على محاور اخرى.
- تثار عند الحديث عن المقاومة مسألة حضور الدولة، ولكن علينا ان نتذكر اولا انه اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان كان الوطن كله في مهب الريح وليس فقط فكرة الدولة. ولولا المقاومة لم نكن نعرف مستقبل لبنان. بهذا المعنى اعادت المقاومة الاعتبار لوجود لبنان ولكيانه.
ثانيا، يمكن وضع مئات الملاحظات على الوضع الحالي للدولة في لبنان ولكن السبب ليس المقاومة طبعا بل من يدير هذه الدولة، واي دور يراه لنفسه، وما هو مشروعه لبناء دولة حديثة وحريات وديموقراطية واي مشروع اقتصادي يراه ملائما للدولة.
هي شركة مساهمة تدير الدولة وتنهيها، لا بل ان مشروعها كان وقف المقاومة ربما منذ 1996 لولا التدخل السوري تحديدا، وهذا امر معروف.
بهذا المعنى ليس وجود المقاومة هو ما اضعف الدولة ككيان وكدور. ولا يمكن ان نرى المقاومة في معزل عن العوامل الاخرى في لبنان اذ ربما لو كانت دولتنا ذات مركزية قوية لكان شكل المقاومة مختلفا تماما.
في لبنان ظاهرة غريبة وهي ان لا يكون التحرير سببا لاجماع وطني، او على الاقل فرصة مشتركة على المستوى الوطني. قد تكون مسببات هذه الظاهرة مرتبطة برواسب الحرب الاهلية واستثمار الانقسام الذي حصل اثناءها في الشريط الحدودي.
فلقد فُسّر الانتصار على الاحتلال، والذي ترافق مع هوية خاصة لفئة تعاملت مع الاحتلال الاسرائيلي، بأنه أخلّ بالتوازن السلبي الذي كان قائما على موازاة هذه الحالة مع الوجود السوري في لبنان.
ولكن بيّنت الاحداث ان البعد المسيحي الذي غذته اسرائيل في "جيش لحد" (وغالبيته كانت شيعية) لم يكن سوى وهم.
كما ان الفريق الذي حقق النصر لم يستثمر انجازه على المستوى الداخلي ولم يطالب بحصة اضافية له لا على حساب حصة المسيحيين ولا حتى المسلمين الآخرين. فـ"حزب الله" حاذر الخطأ في هذا الجانب نظرا لادراكه حساسية الوضع اللبناني الداخلي.
حالياً - على غرار مسألة كتاب التاريخ مثلاً - لا يزال الانقسام موجودا وهو بحاجة الى آليات كثيرة لتجاوزه، وطبيعة النظام السياسي هي المغذي الاساسي لهذه الاشكالية رغم الادعاء بالدعوة الى تجاوز الطائفية.
اعادة قراءة تاريخ المقاومة اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي